تغاريد غير مشفّرة .. قرارات خطيرة تستهدف القطاع العام وشركة النفط نموذج ومثال
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
(1)
قامت وزارة المالية بإيقاف حسابات شركة النفط لدى البنك المركزي، وهو إجراء غير قانوني، وأكثر منه متعسف وظالم، ويتصادم جملة وتفاصيل مع قانون إنشاء الشركة، وأهدافها، واستقلالها المالي والإداري الذي يحميه القانون.
ولطالما تم انتهاك هذا الاستقلال من قبل السلطة العليا خلال سبع سنوات خلت، وأما ما يؤدي إليه إجراء اليوم، فإنه لا يقتصر تبعاته على إرباك نشاط الشركة، والتأثير على أداءها، بل سيؤدي إلى تعطيل عملها، ووأد أداءها، وتهديد وجودها برمته.
(2)
شركة النفط وفق القانون تتمتع باستقلالية مالية وإدارية، والخدمة التي تؤديها الشركة تلقي بتأثيرها على كل الصعد، وقد تم تنفيذ القرار من قبل وزير المالية ـ قفاز السلطة الخفية ـ ضد الشركة، وعلى نحو أقرب إلى وصفه بالكمين منه إلى أي وصف أخر .
لقد تم قرار إقفال حسابات الشركة، من قبل وزير المالية دون علم أو تنسيق مسبق مع إدارة الشركة، لتتهيأ على الأقل لمواجهة هذا القرار السيء، أو هكذا خطر داهم وصادم، يهدد وجودها، ومن دون آلية واضحة، ليكون الأمر أكثر سوءا وإرباكا من أوله.
(3)
هذا الإقفال أشبه بالاغتيال، وسط شعور الموظفين بتهديد حقيقي ليس فقط لحقوقهم المالية، واستحقاقاتهم المكتسبة، ولكن أيضا بتهديد نشاط الشركة برمتها لصالح هوامير النفط والفساد، وهم المستفيدون منه أكثر من غيرهم، وكأن ما يحدث كان مخططاً له، ولنتائجه من قبل أولئك الهوامير.
وسيتم إسناد هذا القرار الذي فجره وزير مالية صنعاء في وجه شركة النفط على نحو مباغت وقهري، والمدعوم بسلطة الغلبة، بتهديد الشركة من قبل الهوامير، واتهامها بالإخلال بالعقود التي أبرمتها، والتزاماتها نحو الغير، وهو ما يفتح باباً واسعاً وخطيراً لمقاضاتها من قبل هذا الغير، وخسرانها الأكيد، وربما ينتهي بها الحال إلى تصفية الشركة، أو تقسيمها كتركة الرجل المريض على فراش الموت.
(4)
قرار الإقفال لا يخدم بقاء الشركة، وإنما يخدم الهوامير الذين يتربصون نهايتها، وسيؤدي القرار إلى إحجام كثير من مزودي الخدمة للشركة بالآجل إلى وقف خدماتهم لها، وسيكون هذا الإحجام والانقطاع فور علمهم بقرار الإقفال، وخوفهم من فقدان مستحقاتهم، وقد حل هذا وذاك.
وبالمقابل كثير من الدائنين سيتزاحمون لمطالبة شركة النفط بسداد مستحقاتهم، والمرحّل بعضها من سنوات خلت، لينتهي الحال باختناقها وشللها، وانهيارها؛ لتبدأ مرحلة انتصار الهوامير، والاستيلاء على نشاطها الذي لطالما انتظروه بفارغ الصبر، حتى جاء قرار الوزير، وأنتهي حال الشركة بوقوع الفأس بالرأس.
(5)
شركة النفط هي أحد المكونات لما بقي من قطاع عام، تم استهدافها اولا بقرار التعويم بمبرر الحرب، ثم تم استهدافها بسياسات اللجنة الاقتصادية وتدخلاتها بعيداً عن أهدافها واستقلالها وقانون إنشاءها..
واليوم تُستهدف بخازوق آخر وهو قرار اقفال حساباتها، لتكون بداية النهاية، أو بداية العد العكسي لها، والذي سينتهي بوفاتها.
(6)
هذه الشركة المملوكة للدولة، تحكمت بها سياسات اللجنة الاقتصادية العليا لصالح الهوامير وتجار السوق السوداء، وجرى إثقالها بكل ثقيل لإجهادها وتدميرها من الداخل، إلى حد صارت تنافسها شركات موازية ومجهولة، وربما وهمية ظهرت بين ليلة وضحاها خلافا للقانون، يديرها مدراء بعضهم يعمل في الشركة نفسها، وهو ما يكشف بعض من الفساد المرعب والخفي الذي ساد في الحرب، ولا زال يسود إلى اليوم، والذي سينتهي بأجلها، أو بيعها وخصخصتها.
(7)
اليوم يأتي تعميم وزير المالية، وقراره بالربط الشبكي، وإقفال الحسابات البنكية للشركة، ليدشن مشروع نهايتها، بعد أن تم إكسابها سمعة سيئة، بسبب التدخلات والسياسات التي تم فُرضت عليها من قبل السلطة العليا.
وما زالت هذه التدخلات قائمة إلى اليوم، بالمعارضة والمصادمة لقانونها، واستقلالها المالي والإداري، وهي إجمالا مقدمة للقضاء على ما بقي منها في إطار استهداف القطاع العام، لصالح هوامير الفساد، والمنتفعين في السلطة، والمتحفزين لبيعها وتقاسم تركتها.