من كواليس غرف التعذيب
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
(1)
مسلخ اسمه “الورشة“
في صنعاء وتحديداً في مقر “سجن” الأمن والمخابرات – الأمن السياسي سابقاً- مكان يسمونه “الورشة”، يقع في الدور الثالث.. مكان مقسم إلى عدة غرف، وكل غرفة تحتوي على وسائل تعذيب تصنع في نفوس الضحايا الخوف المريع والبشاعة التي لا تنسى، حيث تظل عُقدها وآثارها وندوبها محفورة في الوعي والذاكرة تعجز السنين الطوال محوها مهما تقادمت.
يسمونها” ورشة” ولكنها في حقيقتها مسلخ بشري مرعب.. سلاسل تشدك.. ترفعك بزر إلى الأعلى وتنزلك إلى الأسفل.. يُعلّقوك.. يثبتونك بالطريقة التي يريدون أو يرغبون أن يرونك عليها.. يّعلّق بعضهم من أيديهم ساعات طويلة، وبعضهم يُعلّقون من ارجلهم، ثم ينزلونك منها وقد صرت عاثراً من قدرتك على السير، أو محمولاً في بطانية.
في الورشة أيضاً تشاهد وسائل تعذيب متنوعة.. كراسي كهربائية.. كماشات نزع الأظافر.. كيبلات.. سياط.. أسياخ حديدية.. كلاب بوليسية، وكل ما لا يخطر على بالك من وسائل صناعة الرعب والخوف والألم.
***
(2)
في إطار صناعة الخوف والهلع لنزع الاعترافات كانوا يقودون بعض المعتقلين “المستهدفين الجدد” إلى “الورشة” ليرونهم وسائل التعذيب، وبعض ما يجري في الورشة.. أحد هؤلاء الذي أثق بمصداقيتهم قال لي ما يلي:
أنا عندما طلعوني أول مرة بغرض ارعابي رأيت واحد اسمه “ي. ع” وهو محامي.. رأيته معلّق وجبهته مشدوخة.. شفت واحد آخر اسمه “ا. ل”.. كان مُقعد على كرسي ومقيد بالأيدي، أعتقد أنهم كانوا يعذبوه بتيار كهربائي؛ لأنه كان يصرخ بقوة وهم يعذّبوه.
شاهدت شاب اسمه ماجد من رداع بالبيضاء.. كان مُعلقاً على سيخ من الحديد يسمونها “الشواية”.. كان مقيدا من يديه ورجليه ومعلّق.. عرفت لاحقاً أنهم كانوا يتركوه فترة طويلة وهو معلّق على السيخ.
أنا عندما أوصلونا للورشة، استقبلنا مسؤول الورشة، وقال لي:
شوف الله يخليك .. روح معاهم وادّي لهم اللي يشتوه.. لا ترجعش لاهانا.. لو رجعت ما تلوم الا نفسك.. الله يحفظك.. انا قد رقبتي مليان ذنوب.. انا انصحك.. أي حاجة يريدوها منك ادّي لهم واعترف باللي عملته وتوكل على الله.
من كان يصطحبني قال لمسؤول الورشة هذا ضيف..
واحد آخر أخرج شيء مثل الكماشة.. مسك اصابعي بيده، ولاصقهن، وقال لي اظافرك قدهن كبيرات.. نساعدك.. نقصهم لك.
لاحقاً أتضح لي في السجن أن هذه “الورشة” لها فترة طويلة. حيث اعترف لي لاحقاً احد الضباط المسجونين معي من الجيل الاول، وكان ضابط في الامن حيث قال لي:
– هذول مجانين.. ما حد يدخل “الورشة” ناس عاديين.. هذه الورشة كان نادراً من ندخّل فيها ناس على شأن نسلم أرواح ناس.. إرهابيين فجروا كذا وداخلها كذا.. نحن متأكدين من تورطهم.
وعن نزع الأظافر ألتقيت في السجن بواحد دكتور جامعة هو مخلافي.. لا اتذكر اسمه، ولكن يبدو انه كان من أقارب أو أصدقاء الشيخ حمود المخلافي.. شاهدت ثلاثة من أظافره منزوعة.. وعندما سألته قال إنهم نزعوا اظافره في الورشة، واخبرني انهم كانوا بعد أن ينزعوا أظافره يحطوا اصابعه في الملح علشان يزيد الألم حتى انه كان يفقد الوعي.
***
ملاحظة: المصدر خاص وحرصنا على الترميز بالحروف لبعض الأشخاص حرصا على عدم كشف المصدر.. وما نطلبه هو التحقيق مع الذين يستبيحون الحقوق ويعمدون إلى ارتكاب الانتهاكات.
(3)
وفي شهادة لأحد المعتقلين ممن أثق في مصداقيتهم يقول:
في احد الليالي وانا في الانفرادي أثناء خروجي من التحقيق التقيت بشخص في الطارود تعرض للتعذيب والضرب القاسي جداً.. كان يرتعش بشكل كبير جداً، وقد عملها على جسده، والبراز فوقه من كثرة وشدة الضرب.
هذا الشخص التقيت به بعد أشهر مرة أخرى في العنبر واسمه (ح.أ)، وينتمي لحزب الإصلاح، وعرفت أن سبب اعتقاله هو أنه خدعهم عندما أرادوا من خلاله استدراج زوجته.. تم إلقاء القبض عليه، وأرادوا إجباره بإحضار زوجته المتهمة بالتعاون مع العدوان، ولكنه أبلغ زوجته بالهروب، حيث اتصل بها مرغماً بغرض تطلع من الحديدة، وبمجرد الاتصال قال لزوجته: “أنا مسكنا الأمن أهربي” ، وظل في السجن حتى الافراج عليه بعد ثلاث سنوات دون حكم أو قرار اتهام.
ومن الذين تعرضوا للتعذيب “مرسول الموقعي” يمني من صعده، وأمه هندية.. تعرض للتعذيب أثناء التحقيق.. حققوا معه، ونزل إلى عندنا وكان وجهه منتفخ.. قال لنا: ضربوني بصندل في الوجه والرأس.. بعد ست سنوات خرج من السجن بعفو خاص.
في عام 2019 جاء مدير السجن واسمه أبو محمد وأبلغنا إلى العنابر بصدور توجيه من “السيد” بمنع التعذيب تماماً، ولم نعد نسمع بعدها بـ “الورشة” ووجه “الشوش” في “الطواريد” بمنع طلوع أي سجين إلى غرف التحقيق بعد الساعة ١٢ ليلاً.
بعد ثلاثة ايام من إبلاغنا بالتوجيه، وتحديدا في يوم زيارة السجناء رأيت أمر السيد في لوحة “بورستر” كبيرة مساحتها في حدود مترين في متر تقريباً، ولم نعد نسمع شيئاً عن الورشة، واستمر الأمر نافذ بحدود ثلاثة أشهر تقريباً، تم إيقاف التعذيب في الورشة، ولكنه بعد حولي الثلاثة أشهر رجع التعذيب في غرف التحقيق، ولكنه بشكل اخف من سابقه.
***
رسالة خاصة من صديق:
اخي العزيز احمد سيف حاشد
كل ما تذكره عن الورشه وعن التحقيقات هي ليست من الان ولكنها من زمن طويل ولكن تماد السفهاء فيها..
كنا نشوف تعذيبات بشكل مخزي في كل مكان وكنا نشاهد اشياء ابشع مما تشوفها او تسمعها..
في حاجات خفيه.. يعني ممكن انك تعرف الان شخص اثنين ثلاثه 10 100 ولكن في الاف لا تظهر عنهم اي شيء وفي بعضهم يقتلون من غير احد يعرف عنهم اي شيء”.