تغاريد غير مشفرة .. للمرة الخامسة .. قرارات خطيرة
برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
(1)
ما يتم من قبل وزارة المالية بصنعاء حيال الوحدات الاقتصادية المستقلة، هو انتهاك صارخ للقوانين التي أنشأتها، واستباحة لاستقلالها المالي والإداري.
أما صفة الاستعجال في التنفيذ إلى الحد الذي يتولاها تعميم نافذ مصادم للدستور والقوانين المنشئة لتلك الوحدات، فمعناه ثمة وجود لأمور أخرى أشد وأنكأ، ونوايا مبيتة ومشبعة بفساد الطوية، وستكون قاتلة، حيث ستأتي تبعاتها ليس فقط للنيل من حقوق واستحقاقات العمال والموظفين فيها، ولكن أيضا لتهديد وجودها ذاته، من خلال إفشالها، ثم بيعها وخصخصتها.
هذا التعميم في حقيقته، إنما هو حكم إعدام جاري تنفيذه لما بقي من قطاع عام في المناطق الواقعة تحت سلطة الأمر الواقع في صنعاء، وستحل محله تلك الشركات المشبوهة التي أنتجها الفساد المهول في الحرب، وشبت في ظروف هذه الحرب البشعة، والبالغة أيضا في وقاحتها.
هذا الفساد المهول، والمحروس بدمنا، والمسترزق بمآسينا العراض.
الفساد الذي أكل أكبادنا وأقواتنا، وأستحوذ على حاضرنا ومستقبل شعبنا، هو الأولى بالإعدام، وليس القطاع العام الذي يجري إعدامه اليوم بهمة اللصوص والفاسدين الكبار.
(2)
لماذا قرار الربط الشبكي، وتحديث المالية العامة، واستباحة استقلال الوحدات الاقتصادية مالياً وإدارياً لم يتم تمريره عبر القنوات والأطر “الدستورية”، وإن كانت صورية، أو يتم حتى من قبيل التمثيل، رغم علمنا أن الغلبة هي التي تسود اليوم هنا وهناك، واليمن باتت من أقصاها إلى أدناها ترزح مكرهة تحت وطأة سلطات الأمر الواقع، التي تستبيح شعبنا طولاً وعرضا..؟!
من باب الافتراض النظري نقول:
طالما تم إنشاء تلك الوحدات الاقتصادية المستقلة بقوانين ضامنة لحمايتها، وأكدت تلك القوانين في مجملها على استقلال تلك الوحدات الاقتصادية ماليا وإداريا، كان يُفترض على الأقل صوريا وتمثيلاً أن يتم تقديم مشاريع تعديلات قانونية من الحكومة إلى البرلمان، ولكن ما حدث هو تغيير قوانين بتعميم غير مسبوق.
لهذا فإننا نؤكد المؤكد أن لا شرعية لما يحدث.
(3)
وفي الوقت الذي أمتنعت حكومة “الإنقاذ” ووزير ماليتها ـ ومن خلفهما السلطة الخفية ـ من تقديم موازنتها السنوية وحساباتها الختامية لمجلس نوابها في صنعاء، وحجبها عن المواطن اليمني، لأكثر من سبع سنوات خلت، مدّعية ومبررة أن هذا الحجب هو للحيلولة دون تسريبها لدول العدوان، فيما الحقيقة في وجهها الصارخ هي للحيلولة دون مراقبتنا لها، وحتى لا نعرف نحن وشعبنا شيئا عن مهول فسادها، فيما الخارج يعرف كل ذلك أكثر مما تعرفه الحكومة نفسها.
(4)
السلطة الخفية هي التي تصنع القرارات الأهم، غير أننا لا يمكن معرفة أسماءها، أو من يقف وراءها تحديداً .. إنها سلطة تعمل في العتمة والغرف المغلقة، لا عبر السلطات والمؤسسات الدستورية، وبيد هذه السلطة القرار الأول، ولا نعرف مدى تأثير لوبي الفساد عليها، أو إلى أي مدى صارت هي بعض منه، أو نافذة فيه، أو مستحكمة عليه.
تليها اللجنة الاقتصادية العليا التي ليس لها وضع قانوني أو دستوري، ولا نعرف اسمائها على وجه التحديد، ولا نعرف من عيّنها، وكيف جرى تعيينها..؟!!
وما نعرفه عنها أنه لا يوجد قانون بإنشائها، وتم فرضها من خارج الأطر الدستورية والقانونية والمؤسسية، ومع ذلك تستطيع هي أن تحل ما هو قانوني ودستوري، وهي على ما يبدو معنية بوضع السياسات العامة للسلطة، لاسيما الاقتصادية منها، و فرض تلك السياسات على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والوحدات الاقتصادية المستقلة.
وأهم من هذا أنه لا تدركها أي مسؤولية، ولا تخضع لأي رقابة من منظومة الرقابة الرسمية والمعروفة، ولا يمكن إحالتها للقضاء، أو محاسبتها عبر السلطات الثلاث المعروفة.. والعجيب أن رئيس مجلس الوزراء المسؤول الأول في الحكومة ليس عضوا فيها.
(5)
والغريب أيضا أن قرارات بتلك الأهمية والخطورة، لاسيما تلك المتعلقة بالوحدات الاقتصادية المستقلة، أو ما تسمى بالربط الشبكي وتحديث المالية العامة لم تتم دراسته أو بحثه في المجلس السياسي الأعلى أو في مجلس الوزراء.
قرار إجراء الربط الشبكي، وتحكم وزارة المالية بمالية الوحدات الاقتصادية المستقلة، هو قرار لم نعرف قنوات اتخاذه على وجه التحديد، وكيف تم، وربما كل ما نعلمه أنه لم يتم اتخاذه في مجلس الوزراء أو حتى مناقشته، رغم أنه هو المعني الأول به، أو حتى الثاني بعد المجلس السياسي، وكل ما نعلمه أنه تم بتوجيه رئيس المجلس السياسي الأعلى، وتعميم وتنفيذ وزيرا المالية والخدمة المدنية.
إنه إجراء على وجه العموم يمكن وصفه بأنه غير دستوري وغير قانوني، وعاري من الشرعية والمشروعية، ولكن اليوم يتم تنفيذه بغلبة السلطة والقوة.
(6)
التعميم الصادر من وزارتي المالية والخدمة المدنية للوحدات الاقتصادية المستقلة، ما هو إلا بداية لمشروع تدميري جديد يستهدف في جوهره البنية التحتية للوحدات الاقتصادية المستقلة بوجه خاص، والاقتصاد الوطني بوجه عام، وكذا ما بقي للموظفين من حقوق ومزايا في هذه الوحدات. فضلا عن استهدافه الوحدة الوطنية والوحدة اليمنية وتحقيق مزيد من التبعية والارتهان، ومزيد من السيطرة والاستحواذ على القرار الاقتصادي والسياسي المستقل.
(7)
مذكرة نقابية من البريد والاتصالات موجهة لرئيس مجلس النواب بتاريخ ١١ سبتمبر ٢٠٢٢ تشير إلى أن الصمود أثناء الحرب والتطور الذي شهده قطاع الاتصالات ما كان يمكنه أن يتحقق بغير استقلالية المؤسسة المالية والإدارية.
وارفقت المذكرة بعرض للعواقب والمخاطر التي قد تواجه قطاع الاتصالات والبريد من جراء تنفيذ تعاميم وزارتي المالية والخدمة المدنية.
وأشارت أن هكذا قرار سيؤدي تنفيذه إلى عرقلة تنفيذ المشاريع، وتأخير أعمال الصيانة سواء الدورية أو الطارئة، وأن تبعات التنفيذ ستكون كارثية على موازنة وموارد الدولة، واقتصادها الوطني، فضلا عن خطرها البالغ على الوحدة اليمنية.
واضافت أن وزارتي المالية والخدمة المدنية لم تفكرا في الخسائر الاقتصادية المالية نتيجة توقف حركة الحوالات وتوقف معاملات البنوك، وما سيؤدي إليه القرار من تأثير وتبعات ونيل من استحقاقات الموظفين العاملين بقطاع الاتصالات والبريد.
(8)
وطالبت نقابة الاتصالات والبريد بوقف تلك الإجراءات غير القانونية، والتي تخالف قانون إنشاء المؤسسة العامة للاتصالات، الذي يحدّد صلاحياتها ومهامها، وسيؤدي تجاوز القانون إلى الضرر البالغ بالمصلحة العامة.
وأكثر من هذا هددت النقابة إنها سيكون لها موقفا اخر لا تتوقعه وزارة المالية على الاطلاق، وقالت لا تجعلوا القرارات الغير مدروسة هي القشة التي تقسم ظهر الاتصالات والخزينة العامة معا، مذكرين القيادات باليمين الدستورية الذي يقتضي المحافظة على مصالح ومقدرات البلاد.
(9)
والحقيقة أن قطاع الاتصالات ما هو إلا واحد من القطاعات الذي يستهدفه هذا الإجراء، وعندما يطال هذا الإجراء بقية الوحدات الاقتصادية المستقلة مثل الطيران والنفط والمياه والمقاييس والجودة وغيرها من الوحدات الاقتصادية المستقلة، ستحل الكارثة الثانية على اليمن كلها، وهي كارثة حقيقية ربما لا تقل عن كارثة الحرب، إن لم يكن ما لم تحققه الحرب ستحققه تلك القرارات والإجراءات الأكثر خطورة وكارثية، وأولها الانفصال والتمزيق للوطن.