عندما يستعمرنا الخوف

برلماني يمني
أحمد سيف حاشد
السكن في نيويورك مرتفع ولاسع كالنار ولكن الجالية اهتمت بأمري وأوصلتني لغرفة في الشقة التي تم استئجارها من قبل أحد التجار اليمنيين منذ قرابة سته وعشرين عاما تقريبا ونزلائها من اليمنيين.
ساعدني في حمل الحقيبة أبن أخ المستأجر.. أول خطوة وطأت قدمي الغرفة لم يذهب نظري إلى تفاصيلها أو الموجود فيها، بل استدرت على أعقابي وسألت الولد عن المزلاج الذي مازالت آثاره على الباب دون أن ادرك أن مغلقة فضية أتوماتيكية حديثة تملاء قبضتي ثابتة في الباب.
لماذا يا ترى ذهب انتباهي لأول وهلة إلى مزلاج الباب دون غيره من موجودات وتفاصيل ومحتويات الغرفة؟! لماذا رأيت النملة ولم أر الفيل والفرق شتان.
لم آت إلى نيويورك وحدي بل أتيت وأنا أحمل خوفي وشكوكي وتوجساتي.. خوفي شد بصري إلى ما اعتدت عليه من خوف دق وتده في قلبي وحملته معي أينما حللت.. بعضه حملته من سابقة أدين فيها المتهم وحكم عليه بالسجن لمدة عام دون أن أطمئن إلى حقيقة الدافع هل هو اغتيال أم سرقة أم رسالة ضغط أو محاولة لزرع الخوف والهلع في نفسي رغم أن القاضي في حيثياته رجح السرقة.. مزلاج باب الغرفة أنساني أنني في نيويورك وأن المغلقة تملأ قبضة يدي.
إنه الخوف الضارب فينا.. الخوف الذي يستوطننا وقادمين من وجهته.. تذكرت مغادرتي صنعاء إلى القاهرة وقد رفضت أن أحمل أي هدايا أو شيء يخصني.. رفضت أن احمل هدايا البن والعسل لأعز الأصدقاء بل تركت هذه المهمة لصديق جاء إلى القاهرة بعد شهرين.. نعم أنه الخوف من أي مكيدة من قبل السلطة، وتوجسي من أنها سوف تدس لي ممنوعا في ثنايا ما أحمله.
***
بعد وصولي للقاهرة بيوم دعوت أصدقاء ابني فادي إلى مطعم كانوا قد أختاروه، وبعد الغداء طلبوا مشروبات، فطلب احدهم ليمون والأخر برتقال والثالث مانجو؛ فقلت لهم لازم نشرب مشروب واحد، أما ليمون او مانجو او برتقال؛ فطاوعوني خجلا وطلبوا برتقالا دون أن يستوعبوا الأمر.. تلقت يدي المشروبات من النادل ووزعتها بنفسي على نحو أطمئن إليه.
كانت علامات الدهشة من تصرفي مريبة.. وافقوا جميعهم بمضض مكتوم على طلب البرتقال وعلى صفحات وجوههم علامات التعجب والاستغراب، فيما أنا تعاطيت مع الموضوع بمنتهى الجدية.. ابني فادي استغرب هو الأخر وقال لي “مالك يا باه”.. أحسست أنني أتيت فعلة كبيرة غير أن خوفي كان أكبر.
ياخزوتاه.. جبيني يقطر خجلا حد الشعور بالعار.. أتصبب عرقا وأهرب نافرا من أن أتذكر هذا الموقف الفادح في عيبه.. بعد أيام أعتذرت لهم وأفهمتهم أن لدي رهاب السم.. تفهموا الأمر والتمسوا لي العذر فيما أنا مازلت لم ألتمس لنفسي عذرا.. الحقيقة كانت لحظة ما زلت أهرب منها فيما هي تلاحقني وتقتفي اثري لتعيد فرض نفسها على وجهي لتشبعه حياء وخجلا.